يرى عابد أبو شحادة أن عام 2025 شكّل ذروة غير مسبوقة في المسيرة السياسية لبنيامين نتنياهو، ليس بسبب إنجازات وطنية أو استقرار داخلي، بل لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي استطاع تفكيك منظومة الضوابط والتوازنات المؤسسية لمصلحته الشخصية، بينما غذّى الفوضى داخليًا وإقليميًا، وواصل حرب الإبادة في غزة بلا مساءلة حقيقية.
يشير الكاتب إلى أن ميدل إيست آي، الذي قدّم هذا التحليل في سياق قراءة أوسع لتحولات السياسة الإسرائيلية خلال عام اتسم بالتناقض الصارخ بين نشوة داخلية مصطنعة وانهيار أخلاقي وسياسي عميق.
نشوة زائفة وانفصال عن الواقع
يبدأ المقال من ظاهرة ثقافية تبدو للوهلة الأولى هامشية: أغنية إسرائيلية دينية الطابع سيطرت على قوائم الاستماع طوال عام 2025، تحمل نبرة تفاؤل مفرط ومطالبة بأن يكون كل شيء “جيدًا دائمًا”. يرى الكاتب أن هذه الأغنية تختصر حالة إسرائيل في ذلك العام: لغة دينية، ثقة مفرطة، غياب شبه كامل للنقد الذاتي، وانفصال حاد عن الواقع.
في الوقت نفسه، شنّت إسرائيل حرب إبادة في غزة، وخسرت مئات الجنود، وشهد المجتمع الإسرائيلي ارتفاعًا في حالات الانتحار داخل الجيش واضطرابات ما بعد الصدمة، إلى جانب تصاعد العنف الأسري واستمرار القلق السياسي والاقتصادي رغم اتفاق وقف إطلاق النار. ومع ذلك، يصف الكاتب عام 2025 بأنه أنجح أعوام نتنياهو سياسيًا، لأن الرجل خرج أقوى من أي وقت مضى.
قبل خمس سنوات، واجه نتنياهو ثلاث لوائح اتهام جنائية، وخسر الحكم مؤقتًا، وتحول إلى زعيم معارضة. لكن عودته إلى السلطة أواخر 2022 دشّنت مسارًا جديدًا، بلغ ذروته في 2025، حيث انقلب ميزان القوى بالكامل لصالحه.
إضعاف القضاء وإعادة هندسة الدولة
يركّز المقال على نجاح نتنياهو في تقويض النظام القانوني الإسرائيلي. يذكر الكاتب أن طلب عفو رئاسي رُفع في نهاية 2025، وسط دعم علني من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بينما أعلن نتنياهو بوضوح تمسكه بالحياة السياسية وعدم نيته الاعتزال.
قاد نتنياهو مواجهة مفتوحة مع المستشارة القضائية للحكومة، مستندًا إلى تحالف مع اليمين الديني “المسياني”، الذي استغل الظرف لتوسيع نفوذه داخل مؤسسات الدولة. عزز إيتمار بن غفير سيطرته على الشرطة عبر تعيينات قائمة على الولاء الأيديولوجي، ودفع شلومو قرعي نحو تغييرات إعلامية تخدم اليمين وتضعف الإعلام العام، بينما استغل بتسلئيل سموتريتش موقعه المزدوج في المالية والدفاع لفرض تغييرات بنيوية في الضفة الغربية ترقى إلى ضم فعلي.
في الوقت ذاته، عملت ماي جولان على تقليص موازنات مخصصة للفلسطينيين المواطنين في إسرائيل. ويؤكد الكاتب أن أخطر إنجازات نتنياهو تمثلت في إعادة تشكيل قيادة الأجهزة الأمنية، حيث أُبعد رئيس الأركان هرتسي هاليفي، وحل محله إيال زامير المعروف بنهجه العدواني، وأُجبر رئيس الشاباك رونين بار على الاستقالة ليخلفه دافيد زيني، أحد أكثر الشخصيات اليمينية تطرفًا، فيما اختار نتنياهو بنفسه المرشح المقبل لرئاسة الموساد.
تحديات عسكرية ومستقبل قاتم
رغم توترات نتنياهو مع الأحزاب الحريدية حول تجنيد طلاب المعاهد الدينية، حافظ التحالف الحاكم على تماسكه. يصف الكاتب عام 2025 بأنه العام الذي نجح فيه نتنياهو في تحطيم ما تبقى من آليات الرقابة والمحاسبة، بينما انشغل المجتمع الإسرائيلي بحالة نشوة داخلية تجاهلت العزلة الدولية المتفاقمة.
يحذّر المقال من أن عام 2026 ينذر بتصعيد جديد، في ظل هشاشة وقف إطلاق النار في لبنان، وتعمق الاحتلال في جنوب سوريا، وتزايد القلق الإسرائيلي من تنامي الشرعية الدولية للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع بدعم إقليمي ودولي.
تظل غزة جوهر الصورة القاتمة. يشدد الكاتب على أن العامين الماضيين كشفا غياب أي حدود للبراجماتية الإسرائيلية تجاه حياة البشر، وعدم التزام حقيقي باتفاقات وقف إطلاق النار. ولولا ضغط إقليمي ودولي أعقب ضربة الدوحة في سبتمبر، لاستمر القتل بلا توقف.
يختم الكاتب بأن نتنياهو، المدعوم بشرعية داخلية واسعة، لا يرى سببًا للتراجع. ومع تراجع الاهتمام الدولي بغزة، يتوقع استمرار الواقع نفسه في 2026. ويرى أن انغماس المجتمع الإسرائيلي في أغنية تقول إن “كل شيء جيد” يعكس عمق الانفصال عن واقع تقوده زعامة مهووسة بالسلطة وحركة يمينية دينية تدفع المنطقة بأكملها نحو مزيد من الاختلال، بينما يختفي التعاطف مع أي إنسان خارج هذا الإطار.
https://www.middleeasteye.net/opinion/was-2025-good-year-for-netanyahu

